Friday, December 26, 2008

بيضاء الثلج، على الأسفلت البارد، في يوم هجره الرب

الخارطة التي أحملها في جيبي دائماً...... أخرجتها اليوم من عتمتها، فوجدت الكبر قد بلغها فجأة.. ولم تعد كما كانت..... ذهب رونقها القديم..... وصار ملمسها مجعداً... وامتلأ وجهها بالبقع القبيحة..... وصارت بحارها التي كانت زرقاء......رمادية....... ووديانها، وصحاريها أيضاً... وهناك بلاد لم يعد لها اسم واضح....... أما مكان بيتك يا حبيبي...... فقد ضاع من كثرة القبلات..... لم يعد له أثر ولا معلم.... أصابني الهلع....... فخرجت من تحت غطائي الدافئ.... ولبست حذائي... وخرجت إلى الطرقات الباردة دون حتى أن أغسل وجهي... وشعري الغير مهندم يتطاير حول وجهي.... سأخجل حتماً أن تراني على هذا الحال البائس.... لكن فكري كان قد أصابه الشلل، ولم يقدر على احتواء هذا الجزء الحيوي من الموقف...
.
لست أدري ما الذي حدث في ذلك اليوم..... وكأن الرب كان قد هجر العالم.... أين كل البشر الصاخبين.... وقفت قليلاً في مكاني... ثم خطوت إلى الأمام في توجس.... اطمئننت قليلاً حين رأيت ذلك القط ذو العين الواحده الذي أقابله كل يوم دونما رغبة مني ، كي يثير في نفسي حزناً يجد له متسعاً بشكل غامض بين أحزاني الأخرى...... استغربت في البدء من صورة الشوارع الخالية .... لكني وجدتها فرصة سانحة لإطلاق قدمي للريح... تصرف لا تقدر عليه فتاة تراعي مظهرها أمام الناس في العادة..... لكن الوضع الآن مختلف... جريت مثلما لم أفعل في حياتي .....وفي يدي الخارطة البائسة.... أحاول اللحاق بالشمس قبل أن ترحل... لكنها تركتني وغربت قبل أن أصل إلى المكان الذي لا أدري أين هو..... لم يكن لدي حينها سوى حدس غامض، لم يكن هناك أمامي خيار سوى أن أتبعه....

وجدت مركبتنا الوحيدة في النهر..... أتذكرها؟؟؟؟.... فرحت كثيراً واعتبرت ذلك فألاً حسناً... فاتخذتها مسكناً حتى الصباح... وحين استيقظت ودعت المركب العزيز بقبلة...وعاودت الجري.... جريت.... جريت.... كدت أبكي هلعاً.... من فكرة أني قد لا أصل أبداً..... لكني تماسكت... لم يكن بمقدوري الانهيار الآن.... فأخذت أردد في نفسي.... سأصل... سأجده... سأجده......وأخذت أستحضر صورتك في عقلي...... أعلم أنك تنتظرني في مكان ما... نعم.... أراك تجلس هناك.... تضع يديك على خدك وتنظر للبحر متأملاً في حزن شريد..... وحيداً مع دخان سيجارتك الأثير... تنتظر مجيئي....... وتحترق قلقاً لظنك أني قد نسيتك...... لا تبكي... إياك أن تبكي..... يجب أن تتماسك مثلي.......

أتوقف..... كي ألتقط أنفاسي...... فيموج بي المشهد المحيط للحظة، ويسود العالم....... وتتلاشى صورتك أمام البحر..... أفتح عيني... فأجد نفسي وحيدة.... والريح من حولي تطيح ببعض الأوراق والقمامة في الطرقات.... أجد نفسي دونك.... دون صورتك... دون صوتك... دون ملمس بشرتك الدافئ...... ماذا لو كنت أتوهم ؟؟؟ لو كنت أتوهم كل شيء منذ البداية... ماذا لو كان كل ذلك حلم مغلف بطعم السكر... حبك، وصوتك، وملمس يديك السحري.... وانتظارك لي.... ووجدت فجأة... أن وجهي مغرق بالدموع.... فواصلت المشي..... ثم الجري...... وتوالت علي الصباحات التي لم أعد أرى فيها للشمس لوناً ..... أصبح العالم فجأة فيلماً بالأبيض والأسود... مثل أفلام تشارلي تشابلن المفضلة لديك..... ليتك تراه معي الآن.... لكنت قد أحببته بالتأكيد..... أدندن ألحاننا المفضلة..... ثم أغني بصوت مرتفع.... فيهيأ لي أن اللون قد عاد إلى المشهد مرة أخرى..... حبيتك بالصيف، حبيتك بالشتا.... حبيتك تانسيت النوم... حبيتك.........وبحبك...... بحبك، بحبك.... ومن يومها.... صار القمر أكبر...... و من يومها..... فزعانه .... عن جد..... تنساني........... تنساني

بحثت في جيبي..... كي أقبل مكان بيتك الضائع كما أفعل كل صباح...... كي أمنع نفسي من الانهيار.... لكني انهرت في مكاني حين لم أجدها...... توقفت أنفاسي للحظات..... لم يعد لدي شيء كي أفقده، أو أخاف عليه الآن...... حتى خوفي الذي كنت أئتنس به في وحدتي....... وكل الكلمات التي كانت تصر بلا رحمة على أن تحرق صدري ثم تقف على عتبة الحلق........ وارتعاشة يدي المفتقدة... التفاهم.... وسوء التفاهم...... العجز...... والساعات الوحيدة........ الساعات....... والأيام الوحيدة

خطر على بالي فجأة.... بأن أفترش الرصيف، و أنام.... طالما تمنيت أن أنام لعدة أيام متواصلة دون أن يوقظني أحد... ليس هناك من فرصة أفضل من هذه...... نعم سأنام........ مع أمنية باهته.... بأن توقظني يد واحده في هذا الكون..... ربما أصحو مثل بيضاء الثلج..... على قبلة من الأمير...... ربما...... في يوم ما

تناهى إلى وعيي صوت ينادي باسمي ....