يا لك من برقوقة مرة، مهرج لا يجيد التسرية، حديقة أطفال خالية إلا من الألعاب الخربة.
لا أنوي أن أحتفظ منك لا بعلبة السجائر، ولا بالقصة التي أقرأها في طريق سفري، ولا بالابتسامات العابرة.
أقول هذا افتعالاً للزهد. فأنا أعلم أني حتى إن أردت، لا أستطيع.
لا أقول هذا بروح الحزن أو الكآبة. فكل تلك المسميات تتساوى في النهاية، ولا أعلم لها جوهرا حقاً سوى أننا اعتدنا ربطها بمناسبات معينة. هي حبات الفراولة الحمراء التي نزين بها التورته العارية، حتى لا تبدو بلا معنى.
لست واثقة إن كان يوماً آخر، شهر آخر، أبد آخر من البقاء هنا سيغير شيئاً.
إن كان سيغير لحظات الرغبة في العودة، وحشة الانتظار، العمى المؤقت الذي يأتي في الأوقات غير المناسبة، الانتشاء بالشاي المسكر والليل حين يخيم. والتفاصيل الأخرى البسيطة التي أراك من خلالها.
إن كان ذلك سيجعلني أكثر حكمة أو أكثر غباء، أكثر سلاماً أو أكثر ميلاً للجنون.
وربما لأني لا أعلم، لا أزال أتبع خطاك وقد رميت ساعتي وطبشوري الذي أعلم به طريق العودة.
حقيبتي تخف يوماً عن يوم، فهناك الكثير مما يسقط رغماً عني خلال ثقب ضيق في أسفلها لا سبيل إلى سده. أحياناً أضع فيها شيئاً حتى أشعر بثقل مطمئن فوق كتفي، لأكتشف فيما بعد أن ذلك كان خياراً فاشلاً.
علمتيني ألا أريد. أحياناً، ترمين في طريقي - بأنفة - بعظمة كأني كلب جائع - ولا أنكر أني قد أكون كذلك -، وأحياناً أخرى تقدمين إلى الهدية في يدي بعطف.
في كلتا الحالتين أتعامل بحذر. لكني أنسى أحياناً أن الهدية مربوطة بخيط رفيع تجذبينه إليك حين أنسى وجوده.
أعتقد أن النسيان عادة سيئة لا سبيل إلى الشفاء منها.
ولا أقول أني أريد حقاً الشفاء منها. فقد قلت أني لا أطمح إلى الاحتفاظ بالهدايا على أي حال، أو أدعي ذلك. دعنيني أدعي. فهذا مريح أحياناً.
لون عينيك قد لا يعني شيئاً، لكني أحمله المعنى، حتى تمتلئ كأسي بما أتجرعه حين أصاب بالعطش. لا بد من الخداع أحياناً.
فقط أرجو ألا يكون دخان سيجارتي الأخيرة بلا معنى، وألا تكون صفحة السماء حينها بلا لون.